حين تتوه البوصلة: الشماتة بإيران وتناسي العدو الحقيقي

بقلم : علي أمين

في زمن المآسي والتحولات الكبرى، يظهر خلل خطير في الوعي الجمعي العربي: شماتة البعض بإيران في وقت تتعرض فيه لقصف إسرائيلي وتواجه تهديدات أمريكية مباشرة، وكأنها العدو الأول، بينما تُغفل أبصارهم عن العدو الحقيقي المشترك، الذي لم يكفّ لحظة عن تدمير أوطاننا وسرقة مقدّراتنا وإراقة دمائنا: أمريكا وإسرائيل.

■ عندما تصبح البغضاء أقوى من البوصلة

من الطبيعي أن تختلف الشعوب مع السياسات الإيرانية، وأن يُنتقد تدخلها في بعض الساحات العربية، لكن أن تصل الأمور إلى الشماتة بها في وجه العدوان الصهيوني الأميركي، فهذه ليست خصومة سياسية، بل انحراف في المفاهيم والمواقف. فهل نسينا من يحتل القدس؟ من يشن الحروب على غزة؟ من يُعاقب أطفال اليمن وسوريا ولبنان؟ من يحاصر الشعب الفلسطيني منذ عقود؟ هل هو إيران أم الكيان الصهيوني المدعوم أمريكيًا؟

■ إيران خصم؟ ربما. لكنها ليست العدو المركزي

حتى من يختلف مع طهران، لا يمكنه أن يضعها على نفس الكفّة مع الاحتلال الإسرائيلي. فإيران لم تبنِ مستوطنات على أراضينا، ولم تقتل أطفال فلسطين، ولم تقصف غزة ولا نابلس ولا جنين. على العكس، كانت الداعم الأول للمقاومة في لبنان وفلسطين، بالسلاح والمال والتكنولوجيا. أم أن ذاكرة بعض العرب قصيرة لدرجة أنهم نسوا كيف صمدت غزة في وجه القصف لأن صواريخها لم تكن مستوردة من واشنطن؟

■ أمريكا… راعي الخراب الأكبر

الأجدر بمن يشمتون في إيران أن يتأملوا في جرائم الولايات المتحدة: احتلال العراق، تمزيق سوريا، حصار اليمن، دعم الانقلابات، وتمويل الاستبداد. إنها اليد الخفية التي تغذي الطائفية، وتدعم الاستيطان، وتُسكت العدالة الدولية.

المنطق يفرض أن نرفض هيمنة إيران على القرار العربي، لكن هذا الرفض لا يجب أن يُعمينا عن حقيقة أن الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية هي أمّ المآسي، وهي التي ترسم خرائط الدم والخراب في عالمنا منذ عقود.

■ في لحظة الحقيقة… من يقف ضد الاحتلال؟

اليوم، بينما تواجه إيران عدوانًا واسعًا، لن تجد من يقف في خندق المقاومة سوى حفنة من الصادقين. أما المطبعون والمهلّلون والمتشفّون، فقد اختاروا الاصطفاف إلى جانب القاتل ضد من يقاومه.

هؤلاء لا يدافعون عن “العروبة” أو “السنة” أو “السيادة”، بل يرددون سرديات الإعلام الإسرائيلي بحماس أشد من إعلام تل أبيب نفسه. في قلوبهم حقد طائفي، وفي عقولهم فقدان للاتجاه.

■ لنعرف من العدو… ومن الندّ

إيران ليست دولة ملائكية، ولا معصومة من الخطأ، لكن ما لا يجب أن يُنسى: أنها آخر من تبقى في الإقليم في مواجهة المشروع الأمريكي الإسرائيلي. والمفارقة أن من يتمنى انهيارها، سيفيق ليجد نفسه عارياً أمام احتلال لم يبقِ من الكرامة شيئًا.

■ الوعي… أو الندم

في لحظة اشتباك كبرى كالتي نعيشها، لا يُطلب من أحد أن يهتف لإيران، لكن يُطلب منه أن يعرف عدوه الحقيقي. فالذي يشمت في من يُقصف بالصواريخ لأنه يختلف معه، سيفقد صوته حين تسقط الصواريخ فوق رأسه.

العدو واضح. والبوصلات الصادقة لا ترتبك.

بقلم علي أمين

كاتب ومحلل سياسي

زر الذهاب إلى الأعلى