نتنياهو… حين يحلم بأن يكون “رب الشرق الأوسط”

بقلم: علي أمين
في كل مرة تشتعل فيها الجبهات، ويضيق الأفق السياسي، يظهر بنيامين نتنياهو على المسرح وكأنه يستمد قوته من اللهيب. ليس فقط رئيس حكومة، بل رجل يرى نفسه أكبر من الدولة، فوق التاريخ، بل ويتوهم — كما يبدو — أنه قدر هذه المنطقة.
فالسؤال لم يعد: لماذا يخوض نتنياهو الحروب؟ بل: لماذا لا يستطيع العيش بدونها؟
■ نتنياهو والحرب… مشروع حياة لا ظرف طارئ
نتنياهو لا يخوض الحروب دفاعًا عن “أمن إسرائيل” كما يروّج، بل لأنها جزء من عقيدته السياسية والوجودية. هو لا يرى نفسه مدير أزمة، بل صانع تحولات كبرى. ولذا، كل حرب يخوضها ليست سوى وسيلة لإعادة تشكيل المشهد، وتعزيز صورته كمخلص وقائد تاريخي، حتى لو كان ذلك على حساب دماء شعوب بأكملها.
من غزة إلى لبنان، ومن سوريا إلى إيران، لا تمر سنة دون أن يصطنع نتنياهو تصعيدًا، ويقدم نفسه كحامي الحمى، مستغلاً دعمًا أميركيًا مطلقًا، وصمتًا دوليًا مريبًا، وانقسامًا عربيًا يعمّق جراح المنطقة.
■ “تغيير الشرق الأوسط”: مشروع أم هوس؟
حين يتحدث نتنياهو عن “تغيير الشرق الأوسط”، فهو لا يقصد السلام أو الاستقرار، بل تفكيك الخرائط، وتدمير الجيوش، وخلق شرق أوسط جديد تكون فيه إسرائيل القوّة المهيمنة الوحيدة.
هو لا يريد شرقًا أوسط يعيش فيه العرب بحرية وسيادة، بل شرقًا بلا مقاومة، بلا دول ذات قرار مستقل، بلا طموحات قومية أو دينية تقف في وجه مشروعه.
يريد أن يكون “ربّ الشرق الأوسط”، الآمر الناهي، الذي تُدار فيه العواصم العربية كما تُدار بلدية في إحدى ضواحي تل أبيب.
■ “أحارب إيران لأحمي العرب”… مسخرة وخزي
في تصريح يعكس قمة الاستخفاف بالعقول والكرامة العربية، قال نتنياهو مؤخرًا:
“أنا أخوض الحرب مع إيران لأحمي جيراني العرب.”
هذه الجملة، بقدر ما هي مثيرة للسخرية، فإنها كاشفة ومخزية. أن يعتبر نتنياهو نفسه “حامي العرب” بعد أن أمضى سنوات في قتل الفلسطينيين، وتهويد القدس، ومحاصرة غزة، هو عار على كل من يصفق له، أو يلتزم الصمت أمام جرائمه.
إنها محاولة مكشوفة لتبرير العدوان وتجميله تحت غطاء “الشراكة الإقليمية”، بينما الحقيقة أن كل قذيفة يطلقها الاحتلال، وكل مشروع تسوية يفرضه، هدفه الوحيد: أن تبقى إسرائيل هي السيّد، والعرب تابعين صامتين.
■ هل يسعى للسيطرة على كل الدول العربية؟
نعم، وليس بالاحتلال العسكري فقط، بل بالهيمنة السياسية، والاختراق الاقتصادي، والتأثير الأمني والثقافي. ويكفي النظر إلى بعض العواصم التي أصبح فيها وجود إسرائيل العلني طبيعيًا أكثر من وجود القضية الفلسطينية، لندرك أن نتنياهو لا يحلم فقط، بل ينفّذ مشروعًا خبيثًا وفعّالًا.
■ خطر ما تفعله إسرائيل بقيادته
-
تفجير المنطقة: حروب متكررة تمنع الاستقرار وتغذّي الانقسام.
-
تصفية فلسطين: تهويد، استيطان، حصار، واغتيالات.
-
تطويع العرب: تحويلهم إلى أدوات في صراعه مع إيران، بينما العدو الحقيقي هو الذي يحتل أرضهم ويمنع قيام دولتهم.
■ بدعم أميركي مطلق… يتحول الجنون إلى عقيدة
تستند مغامرات نتنياهو إلى ضمانة أميركية كاملة، لا تسأله عن جرائمه، بل تمنحه الغطاء السياسي، والسلاح النوعي، والدعم الإعلامي والدبلوماسي. وكلما ازداد اندفاعه نحو التصعيد، ازدادت واشنطن صمتًا أو دعمًا، وكأنها تقول له: افعل ما شئت… نحن معك.
■ الخلاصة: إما وعي شامل… أو سقوط جماعي
نتنياهو لا يشكل خطرًا على الفلسطينيين فقط، بل على المنطقة بأكملها. ومشروعه لا يقف عند حدود غزة أو طهران، بل يطمح لفرض “شرق أوسط إسرائيلي” بامتياز.
وإذا لم يستفق العرب، ويعيدوا تعريف عدوهم، فإنهم سيجدون أنفسهم في زمن قريب يصفّقون لقاتلهم، ويستجدون أمنهم ممن يحتلهم.