قناة القدس ا أفاد موقع “إنسايد أوفر” الإيطالي في تقرير حديث بأن بيانات جيش الاحتلال الإسرائيلي كشفت عن زيادة مذهلة في حالات الانتحار بين الجنود خلال الفترة ما بين 2023 و2024، حيث تم تسجيل 38 حالة انتحار، من بينها 28 حالة بعد بدء الحرب على غزة، مقارنة بـ14 حالة عام 2022، و11 حالة في 2021.
وبحسب الموقع يُعزى هذا الارتفاع الحاد إلى التعبئة الاستثنائية التي شملت نحو 300 ألف جندي احتياط، حيث تعرض هؤلاء الجنود لمستويات قصوى من العنف والضغط النفسي خلال العمليات العسكرية في غزة والمنطقة الحدودية مع لبنان.
وتواجه المؤسسة العسكرية اليوم تبعات ما وصفه التقرير بـ”التجارب التي تجاوزت حدود الاحتمال”، والتي انعكست في أزمة نفسية حادة بين أوساط الجنود.
الانتحار كسبب ثان للوفاة بين الجنود
يؤكد التقرير أن الانتحار يحتل المرتبة الثانية بين أسباب الوفاة بين صفوف قوات الاحتلال الإسرائيلية، بعد الوفيات الناتجة عن العمليات العسكرية المباشرة.
ففي عام 2023، سجل الجيش 558 حالة وفاة، منها 512 أثناء العمليات، و10 لأسباب طبية، و17 حالة انتحار. أما الإحصاءات الجزئية لعام 2024 فتشير إلى تسجيل 363 حالة وفاة، بينها 295 في العمليات العسكرية، و13 لأسباب مرضية، و21 حالة انتحار.
وتشير تحليلات وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن ما لا يقل عن 11 جندي احتياط أقدموا على الانتحار بسبب مشاكل نفسية مرتبطة بالخدمة العسكرية منذ بداية الإبادة الجماعية في غزة.
كما نقل موقع “والا” الإسرائيلي في وقت سابق أن عدد الجنود المنتحرين منذ اندلاع الحرب ارتفع إلى 43 بسبب أعراض نفسية ناتجة عن القتال.
التخلي عن الخدمة العسكرية
يشير التقرير إلى أن الإحصاءات لا تعكس فقط حالات الانتحار، بل تكشف أيضاً عن زيادة كبيرة في أعداد الجنود الذين تخلوا عن الخدمة بسبب اضطرابات نفسية حادة.
ففي يناير 2024، كان نحو 1600 جندي يخضعون للعلاج من اضطراب ما بعد الصدمة الحاد، بينما احتاج 75% من المحاربين القدامى إلى دعم نفسي مستمر.
ردًا على ذلك، أطلق جيش الاحتلال سلسلة تدابير طارئة، منها خدمة مساعدة نفسية مستمرة تلقت نحو 3900 مكالمة منذ أكتوبر 2023، ونشر 800 مختص في الصحة النفسية لتعزيز الدعم.
غير أن هذه الإجراءات اصطدمت بواقع نقص حاد في الإحاطة النفسية، إذ وصف التقرير شهادات عائلات الجنود ومنظمات حقوقية نظام الدعم بأنه “عاجز عن مواكبة موجة الطلبات الكبيرة”، مما يعكس حالة معاناة نفسية عميقة يعيشها الجنود بعد مشاركتهم في حرب غزة ولبنان.
الانتحار حرقا
ويورد التقرير قصة دانيئيل إدري، جندي احتياط في الجيش الإسرائيلي، أقدم على إحراق نفسه بالقرب من مدينة صفد بعد أن شارك في عمليات عسكرية في غزة ولبنان. تحول إدري من جلاد يمارس العنف إلى ضحية تطارده صور الجثث المتفحمة التي لم يفلح في نسيانها.
وأكدت والدة دانيئيل أن ابنها كان يعاني من عذاب داخلي مستمر، حيث طاردته رؤى الحرب، وعجز عن التخلص من روائح اللحم المحترق وصور الضحايا. وكان إدري قد عبر قبل انتحاره بأيام عن حاجته لدخول مستشفى للعلاج النفسي، لكنه واجه فترات انتظار طويلة.
في الفترة بين نوفمبر 2023 ونوفمبر 2024، كُلف إدري بمهمة نقل جثث رفاقه القتلى من الجنود، وهو ما زاد من معاناته النفسية. وفي رسالة إلى صديق له، اعترف بأنه أصبح “قنبلة موقوتة”، مؤكداً انهيار صحته النفسية وتأثير ذلك على محيطه.
مثال آخر أورد التقرير قصة إليران مزراحي، جندي احتياط خدم في غزة، الذي أقدم على الانتحار بعد أشهر من المعاناة النفسية إثر تلقيه استدعاء جديد للخدمة.
وقالت والدته في مقابلة مع شبكة “سي إن إن”: “لقد خرج من غزة، لكن غزة لم تخرج منه أبداً”، لتؤكد الأثر العميق الذي تتركه التجارب القتالية على الجنود حتى بعد مغادرتهم ساحات القتال.
ويشير التقرير إلى أن منظمات قدامى المحاربين، مثل “كسر الصمت”، توثق منذ فترة طويلة نقص الدعم النفسي المقدم للجنود بعد انتهاء خدمتهم، وكذلك حالة التكتم المحيطة بمعاناتهم النفسية في مجتمع تعطي فيه المؤسسة العسكرية مكانة مركزية.
ويختم التقرير بالتأكيد على أن معاناة الجنود الإسرائيليين النفسية ليست قضية فردية، بل هي جزء من أزمة أوسع تواجهها المؤسسة العسكرية، وتكشف عن هشاشة النظام في التعامل مع تداعيات الحرب التي لا تقتصر على ميدان القتال، بل تمتد إلى نفوس أولئك الذين يخدمون فيها.