في زمن المعركة… الصمت أكرم من الطعن في الظهر

بقلم: علي أمين

في زمن الدم والنار، في لحظة المواجهة مع آلة الإبادة، تخرج علينا بعض الأصوات من جلدنا، تحمل أسماءنا، وتتحدث لغتنا، لكنها تبث الهزيمة، وتروج لرواية العدو، باسم “العقلانية”، و”التحليل السياسي”.

أيها السادة… لسنا مغفلين.

ندرك تمامًا أن هذه الأصوات لا تصرخ من فراغ، وأن المنصات التي تستضيفها ليست بريئة، بل هي منابر لدولٍ طبّعت، وخانت، ومدّت يدها الملطخة بالنفط لاحتلالٍ ملطخٍ بدمنا. هذه القنوات التي فتحت شاشاتها لكل ناعق ضد المقاومة، ليست إلا أدوات دعاية في يد الاحتلال، تعمل على كيّ الوعي الفلسطيني والعربي، ومحاولة تقويض آخر ما تبقى من كرامة الشعوب “المقاومة” .

من أنتم لتُحاكموا بندقية في وجه دبابة؟

تنتقدون “طوفان الأقصى”؟ هل طوفان الأقصى هو المشكلة أم الاحتلال ذاته؟
هل مشكلتكم في من قرر أن يقول “كفى” بعد 75 عامًا من الذبح، أم في من يذبح؟

الشعب الفلسطيني لا يعرف الهزيمة

نعم، هناك من يطالب بتسليم الأسرى لإنهاء الحرب ويصفهم بالرهائن.
نعم، الجميع يريد نهاية للدمار وشلال الدم النازف.
لكن من يعرف الشعب الفلسطيني، يعرف جيدًا أنه لا ينكسر.
الموت ولا المذلة،
الموت ولا الهزيمة،
هذا هو الشعار الذي يهتف به كل مقاوم،
وهذا هو القسم الذي يحمله كل فلسطيني ما زال على أرضه، إلا من اختار أن يكون خارج هذا الصف، واصطف إلى حيث تُصاغ روايات الهزيمة.

أن تكون صحفيًا أو محللاً سياسي فلسطيني… ثم تروّج حرفيًّا لرواية العدو!

كيف تحوّل بعضكم من حاملٍ لرسالة الحقيقة إلى مجرّد مُترجِم مطيع للإعلام العبري؟
تُزيّنون بثه بكلمات مثل “المهنية” و“الاطلاع على رواية الطرف الآخر”، ثم ترددون رسائله بحرفيتها، وكأنكم ناطقون باسم أفخاي أدرعي!
إن كنتم تفعلون ذلك لأنكم لا تفهمون خبايا الدعاية الإسرائيلية فهذه سذاجة لا تُغتفر،
وإن كنتم تفهمون تمامًا ما تفعلون فهذه شراكة واعية في جريمة الوعي.
الفلسطيني الحقيقي بغض النظر إن كان صحفياً أو محللاً سياسياً أو كاتب أو غير ذلك لا يعلّق شارة “الموضوعية” على صدره ليُداري بها خنجرًا في ظهر شعبه، بل يمسك قلمه ليكشف الكذب لا ليمنحه شهادة حسن سلوك.

كيف أصبحتُم تُترجمون الإعلام العبري وتُضفونه بشرعية، وتقولون “نحن نفهم العدو”، بينما أنتم تُرددون روايته بالحرف؟

هل هذه “المهنية”؟ أم وظيفة جديدة بأجرٍ مدفوع؟

الإعلام العبري ليس مصدرًا… بل سلاحٌ موجّه

من يتحكم بالإعلام الإسرائيلي في أوقات الحرب ليس “التحقيق الصحفي” ولا “الموضوعية”، بل مكتب نتنياهو. هو من يُحدد ماذا يُقال، ومتى يُقال، وكيف يُقال.
فمن يترجم هذا الإعلام إلى العربية دون تمحيص، ثم يُعلّق عليه بما يخدم الرواية الإسرائيلية، لا ينقل الحقيقة، بل ينقل ما يريده نتنياهو أن يسمعه العرب والفلسطينيون.

● الحرب ليست وقت التحليل البارد… بل وقت الاصطفاف

نعم، سنختلف لاحقًا، وسنحاسب الأخطاء، ونراجع المسار، ونناقش المآلات…
لكن ليس الآن. ليس وقت الدم. ليس وقت الشهداء وهم يُحتجزون تحت الركام.

إن من يُخرج سكينه في وسط المعركة، ويغرسه في ظهر المقاوم، هو خائن حتى لو رفع شعار “الحرية الفكرية”.
الحرية لا تكون على حساب الدم، ولا على حساب كرامة شعب يقاتل وحده.

● بالإضافة إلى ذلك…

من أنت لتنتقد قائدًا ضحّى بأبنائه وعائلته ونفسه وبيته في غزة؟
من أنت لتشهر قلمك أو صوتك في وجه رجلٍ دفن أولاده تحت الركام، ثم نهض ليقود المعركة؟
الفصائل في غزة قدمت قادتها شهداء قبل جنودها، القيادات السياسية والعسكرية ارتقوا وهم في الميدان، لا في الفنادق.

لو أراد هؤلاء عيشًا رغيدًا، وعروضًا من الدولار، وسفرًا وجوازات، لوجدوا ألف باب مفتوح.
لكنهم اختاروا طريق الشهادة، الكرامة، والحرية.

هم لم يُعلنوا “المقاومة” من غرف مكيفة، بل صاغوها بدمهم، وساروا فيها حتى آخر رمق.

فمن أنت لتتحدث عنهم؟

من أنت لتقول هذا؟
من لم يمت شهيدًا، فليحفظ لسانه عن الشهداء.

المعركة الآن ليست فقط في غزة، بل على الوعي.
وأخطر ما في هذه المعركة أن العدو بات يتكلم بأصواتٍ منّا.
فليختر كل واحدٍ منا:
إما أن يكون مع المقاومة في وقت المواجهة، أو أن يكون سيفًا في يد العدو دون أن يدري.

في زمن الحرب، لا حياد… إما مع الضحية، أو مع الجلاد.

زر الذهاب إلى الأعلى