احتلال غزة بالكامل: مشروع مبيت يفتح أبواب الجحيم

في خطوة وُصفت بالمفصلية، ناقش المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية “الكابينت” الإسرائيلي خيار احتلال قطاع غزة بالكامل، وسط عجز جيش الاحتلال عن تحقيق أهدافه بعد أشهر من العدوان، وتصاعد الانقسام الداخلي حول جدوى العملية.
الاجتماع الذي جرى خلف الأبواب المغلقة، وضع على الطاولة ما اعتبره محللون أخطر خيارات الحرب، إذ يحمل في طياته تبعات سياسية وأمنية وعسكرية وإنسانية، ويعيد إلى الواجهة أسئلة حول نوايا إسرائيل وقدرتها على فرض واقع جديد على الأرض.
مشروع قديم بوجه جديد
المختص في الشأن الإسرائيلي سليمان بشارات أكد في حديث لإذاعة قناة القدس أن احتلال غزة ليس فكرة طارئة، بل مشروع مبيت منذ سنوات في الفكر الصهيوني الديني، مشيرًا إلى أن التخطيط له ربما سبق السابع من أكتوبر بكثير، وأن الاحتلال كان ينتظر اللحظة المناسبة لتنفيذه.
وأضاف أن تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أمام الأمم المتحدة في سبتمبر 2023 – حين عرض “خارطة شرق أوسط جديد” استثنى منها فلسطين – وإقرار قانون “يهودية الدولة” قبل سنوات، كلها مؤشرات على رؤية إسرائيل لدولة يهودية تمتد على كامل الأرض الفلسطينية، قائمة على التهجير وإحلال المستوطنين.
“الاحتلال يعمل وفق خطة متكاملة تشمل غزة والضفة والقدس وأراضي 1948، وبدعم أمريكي واضح” – سليمان بشارات
دعاية متعددة المسميات
وأشار بشارات إلى أن إسرائيل تحاول تسويق هذا التوجه بمصطلحات مختلفة لتجنب توصيفه كاحتلال عسكري، فتارة تتحدث عن “سيطرة”، وأخرى عن “إدارة مدنية”، أو حتى “تحرير الفلسطينيين من حماس”، وهي ذات الأساليب الدعائية التي استخدمتها واشنطن لتبرير غزو العراق عام 2003.
واعتبر أن هذا الخطاب محاولة للتغطية على أهداف حقيقية تتمثل في فرض السيطرة الكاملة وتغيير البنية الجغرافية والديموغرافية للقطاع بما يخدم المشروع الاستيطاني.
الأسرى… ورقة ثانوية
وحول ملف الأسرى الإسرائيليين في غزة، قال بشارات إن الكابينت لا يضع تحريرهم كأولوية، بل يتعامل مع حياتهم كجزء من “الثمن المحتمل” لاستمرار الحرب، مشيرًا إلى أن نتنياهو قد يقبل بإعادتهم فقط في حال استسلام المقاومة الفلسطينية وتسليم السلاح والقيادات.
وأوضح أن المعارضة الشعبية داخل إسرائيل، رغم اتساعها ووصول نسبة المطالبين بإنهاء الحرب إلى أكثر من 70% في استطلاعات حديثة، لم تتمكن حتى الآن من تشكيل ضغط حقيقي على الحكومة، بسبب غياب خطوات عملية كالعصيان المدني أو شل الحياة الاقتصادية.
الدعم الأمريكي… صمام أمان نتنياهو
يرى بشارات أن نتنياهو يستند في سياساته إلى غطاء أمريكي كامل، إضافة إلى قدرته على التلاعب بالرأي العام الإسرائيلي وتسويق روايات موجهة، كما حدث في حادثة مقتل عدد من الأسرى في رفح، حيث حمّل المقاومة المسؤولية رغم أن الجيش الإسرائيلي هو من أطلق النار.
كما أشار إلى أن أي عملية عسكرية واسعة قد يسبقها تهجير قسري للسكان شمال القطاع نحو الجنوب، تحت غطاء “إشعارات إخلاء” لتبرير الهجوم أمام المجتمع الدولي.
المشهد الدولي
في ختام حديثه، أشار بشارات إلى أن المواقف الدولية تشهد تغيرًا بطيئًا في نظرتها لإسرائيل، لكن هذا التغير لن ينعكس فورًا على أرض الواقع، موضحًا أن الغرب بدأ يجد صعوبة في تبرير دعمه للاحتلال أمام شعوبه، ما قد يؤدي إلى تحول استراتيجي على المدى البعيد.