ستة قتلى في القدس وأربعة جنود في غزة: الاحتلال بين فشل الردع وارتباك القيادة

شهدت الساحة الفلسطينية تطورات ميدانية نوعية بين القدس وقطاع غزة، حيث قُتل ستة مستوطنين وأصيب العشرات في عملية إطلاق نار وقعت وسط القدس المحتلة، في وقت تبنّت المقاومة الفلسطينية هجوماً شمال قطاع غزة أدى إلى تفجير دبابة إسرائيلية ومقتل أربعة جنود.
وجاءت العمليتان في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على القطاع ومحاولات الاحتلال فرض سيطرته الأمنية والعسكرية على الضفة الغربية والقدس.
القدس تحت النار: العملية تفشل سردية الاحتلال
المختص في الشأن الإسرائيلي، سليمان بشارات، قال في مداخلة إذاعية إن عملية القدس الأخيرة تمثل “نقطة فارقة” كونها ضربت ادعاءات وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الذي تباهى مؤخرًا بقدرته على “إنهاء أي مظهر للمقاومة في المدينة”.
وأوضح أن العملية وجهت رسالة مزدوجة: الأولى أن الأمن الإسرائيلي المزعوم لا يمكن أن يقوم على قمع الفلسطينيين ومقدساتهم، والثانية أنها كسرت خطاب نتنياهو وحكومته حول فرض “السيادة الإسرائيلية” على القدس والضفة الغربية.
وأشار بشارات إلى أن العملية جاءت أيضًا في سياق الرد على استمرار الاعتداءات بحق المسجد الأقصى ومحاولات تمرير مشاريع استيطانية أبرزها مخطط E1 الذي أُعيد تفعيله مؤخرًا.
المقاومة في غزة: تفجير دبابة في جباليا
في المقابل، نفذت المقاومة الفلسطينية عملية نوعية شمال جباليا استهدفت موقعًا عسكريًا محصناً، حيث فجرت دبابة إسرائيلية وأحرقتها بالكامل، ما أدى إلى مقتل أربعة جنود من طاقمها.
وأكد بشارات أن “هذه العملية تثبت أن المقاومة ما زالت قادرة على قلب الموازين رغم مرور نحو عامين على الحرب ومحاولات الاحتلال تدمير بناها العسكرية”، مشددًا على أن الاحتلال الإسرائيلي “لا يستطيع إعلان النصر أو إنهاء الحالة النضالية الفلسطينية”.
رسائل سياسية وأمنية
المحلل بشارات أوضح أن العمليتين، في القدس وغزة، تحملان رسائل واضحة:
-
أولاً، أن محاولات الاحتلال فرض السيطرة على الضفة الغربية لن تُفضي إلا لمزيد من الانفجار.
-
ثانيًا، أن ادعاءات الجيش بتفكيك المقاومة وتدجين الفلسطينيين في الضفة “سقطت عمليًا أمام هذه العمليات الفردية والجماعية”.
-
ثالثًا، أن الهوية النضالية الفلسطينية “ليست مرتبطة بحزب أو تنظيم، بل متجذرة كجزء من الهوية الوطنية منذ ثورة 1936 وحتى اليوم”.
وأضاف: “الاحتلال يحاول منذ سنوات فرض التطبيع الأمني والسياسي على الضفة، لكن العمليات تثبت أن الفلسطينيين لا يزالون متمسكين بمسار المقاومة”.
تصريحات ترامب تزيد المشهد توتراً
على الصعيد الدولي، أعاد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إثارة الجدل بتصريحات قال فيها إن “إسرائيل تعيش أصعب لحظاتها وأن مستقبلها على المحك”، منتقدًا إدارة بايدن في إدارة الحرب على غزة.
ترامب لوّح بخطة جديدة لإنهاء الحرب، محذرًا المقاومة الفلسطينية من رفضها، وهو ما اعتبره بشارات محاولة “لمنح إسرائيل انتصارًا سياسيًا بعد فشلها العسكري”، مشيرًا إلى أن مثل هذه الخطط لا تخرج عن إطار “إملاءات الاستسلام”.
ارتدادات داخل إسرائيل
تأتي هذه التطورات في وقت يواجه فيه الجيش الإسرائيلي أزمة متصاعدة، إذ أظهرت استطلاعات رأي داخلية أن الحرب المستمرة منذ نحو عامين لم تعد تحقق أهدافًا واضحة، وأنها باتت تُدار لأغراض سياسية أكثر من كونها عسكرية.
ويرى بشارات أن “الثمن الذي يدفعه الاحتلال اليوم كبير جدًا، سواء بخسائر الجيش في غزة أو بتداعيات العمليات في القدس والضفة، وهو ما قد يؤدي إلى تصدعات داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه”.
خلاصة المشهد
العمليات الميدانية الأخيرة أعادت التأكيد أن المقاومة الفلسطينية ما زالت حاضرة بقوة رغم شدة الحرب والدمار، وأنها قادرة على قلب المعادلات الأمنية والسياسية.
ومع عجز إسرائيل عن حسم المعركة، وتراجع الدعم الدولي وخاصة في الولايات المتحدة، يرى محللون أن المرحلة المقبلة قد تشهد مزيدًا من التصعيد والمفاجآت، فيما يبقى الميدان هو العامل الحاسم في رسم ملامح المستقبل.