غزة بين القصف والمجاعة: أين يذهب مليون نازح؟

خاص – قناة القدس
تتوالى أوامر الإخلاء الإسرائيلية في مدينة غزة بشكل شبه يومي، ما أجبر آلاف العائلات على ترك منازلها وأحيائها. مشاهد النزوح المتكررة خلّفت أوضاعاً إنسانية مأساوية، حيث تتكدس العائلات في مدارس مكتظة أو ساحات مفتوحة تفتقر إلى الماء والكهرباء والخدمات الأساسية.
مها خضر، مراسلة قناة القدس في غزة، وصفت الأوضاع بأنها “تدهور مستمر وواقع لا يوصف”، مشيرةً إلى أن القصف العنيف يشمل مختلف مناطق المدينة بهدف إجبار السكان على مغادرتها.
أهالٍ يفضلون البقاء رغم المخاطر
رغم خطورة الأوضاع، عاد عدد كبير من النازحين إلى غزة بعد فشلهم في العثور على مأوى آمن في الجنوب. هؤلاء نصبوا خيامهم مجدداً في أحيائهم المدمرة، مفضلين البقاء حتى لو كان الثمن حياتهم. وذكرت خدر أن كثيراً من الأهالي يرون أن النزوح المتكرر مكلف ولا جدوى منه، خاصة مع غياب مناطق آمنة وبنية تحتية مناسبة.
الأطفال: الضحايا الأشد هشاشة
الأطفال هم الأكثر تضرراً من هذا الواقع القاسي. نقص الغذاء وسوء التغذية حصد أرواح مئات الأطفال، فيما يعاني آخرون من أمراض ناتجة عن الجوع وسوء الرعاية الصحية.
تقول خضر: “هناك وفيات يومية بسبب نقص الحليب وسوء التغذية، الأطفال يواجهون الموت البطيء أمام أعين ذويهم”.
إضافة إلى الخطر الجسدي، يعاني الأطفال من صدمات نفسية عميقة جراء أصوات القصف وفقدان أفراد العائلة. بعضهم اضطر للعيش في خيام مؤقتة أو ساحات مفتوحة بلا ماء أو كهرباء، ما يزيد من إحساسهم بالخوف والضياع.
النساء: أدوار مضاعفة ومسؤوليات قاسية
في ظل غياب الأزواج إما بسبب الاعتقال أو الاستشهاد، تجد نساء غزة أنفسهن مضطرات للقيام بدورَي الأب والأم. كثير من الأرامل وزوجات المعتقلين يعتنين بالأطفال بمفردهن وسط نقص حاد في الموارد، ما يضاعف الضغوط الجسدية والنفسية عليهن.
وأضافت خضر: “الوضع صعب حتى على الرجال، فكيف بالنساء اللواتي يتحملن مسؤوليات لا طاقة لهن بها؟ بعضهن يقمن بتأمين الطعام، حماية الأطفال، والبحث عن الماء في طوابير طويلة، في وقت يتهدد القصف حياتهن وحياة أسرهن”.
المجاعة تحصد أرواح الأطفال وكبار السن
حذّرت خضر من استمرار المجاعة وسوء التغذية في القطاع، حيث ارتقى أكثر من 300 مدني، معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن، بسبب نقص الغذاء والحليب. وأشارت إلى أن النساء يتحملن أعباءً هائلة، إذ تجبرهن الظروف على القيام بدورَي الأب والأم في ظل اعتقال أو استشهاد الأزواج.
غياب الإغاثة وتقييد المساعدات
الجهود الإغاثية تواجه عقبات كبيرة، إذ يمنع الاحتلال وصول المساعدات الإنسانية، بما في ذلك أطنان من المواد الغذائية المخزنة في مصر والأردن. وأوضحت خضر أن تقييد عمل الأونروا والمنظمات الأخرى فاقم الأزمة، مؤكدةً أن “الاحتلال يتعمد تأجيج المعاناة ومنع وصول الدعم للسكان”.
انهيار الخدمات الأساسية والكهرباء مقطوعة منذ عامين
يعاني سكان غزة من انقطاع كامل للكهرباء منذ أكتوبر 2023، ما أجبر بعضهم على الاعتماد على الطاقة الشمسية، وهي غير متاحة لمعظم العائلات. كما يواجه الأهالي صعوبة كبيرة في الحصول على مياه الشرب، حيث يقفون في طوابير طويلة لملء جالون واحد فقط.
خدمات الإنترنت والاتصالات متقطعة أو ضعيفة بسبب استهداف الأبراج المرتفعة، في حين تفتقر المستشفيات للأدوية والمعدات الطبية. مستشفى الشفاء يعمل جزئياً بعد تدمير أجزاء كبيرة منه، فيما خرجت أقسام مستشفى المعمداني عن الخدمة نتيجة القصف.
غزة بين البقاء والموت
مع تواصل القصف وعمليات الهدم للمباني السكنية، يجد المدنيون أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مرّ: البقاء في غزة تحت الخطر والموت، أو النزوح إلى مناطق مثل مواصي خان يونس التي لا توفر الأمان ولا القدرة الاستيعابية.
تُظهر المشاهد القادمة من غزة واقعاً إنسانياً قاسياً، حيث تتشابك أصوات الصواريخ مع صرخات الأطفال بحثاً عن الأمان. وبينما تتفاقم الأزمات الإنسانية، يترقب الأهالي أي بارقة أمل قد تخفف عنهم وطأة النزيف المستمر.