صحيفة بريطانية تنتحل صفة سياح للتجسس على الأسرى المبعدين في مصر

لم يشفع للأسرى الفلسطينيين الذين أطلق سراحهم بموجب خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي وقعت عليها إسرائيل وحركة حماس، لوقف الحرب في قطاع غزة، أنهم قضوا عقوداً طويلة في سجون الاحتلال، ولا كونهم أبُعدوا بموجب الصفقة عن عائلاتهم وأرضهم وبيوتهم، وكل ما يشتاقون إليه، بعد كل ما مروا به من تعذيب نفسي وجسدي استحال جحيماً لا يحتمل منذ اندلاع الحرب؛ فحتّى بعد إبعادهم، لا يزال التحريض عليهم مستمراً، ويتجاهل الإعلام الغربي صورهم الإنسانية وقصصهم، ليختزلهم في هيئة “إرهابيين”.
جديد التحريض المستمر على المحررين المبعدين قادته هذه المرّة صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، التي نصّبت نفسها بوقاً للاحتلال، بنشرها تقريراً عنونته بـ”أهلاً وسهلاً بكم في فندق حماس”، أعدّه رئيس المراسلين الأجانب أندي جيرينغ ومراسلة الصحيفة في تل أبيب ناتالي ليسبونا، أشارت فيه إلى إقامة أكثر من مائة وخمسين فلسطينياً مُبعداً إلى القاهرة في فندق فاخر في الأخيرة، ينزل فيه سياح أجانب. وذكرت الصحيفة أن 154 فلسطينياً من أصل 250 من الذين أطلق سراحهم بموجب الصفقة، والذين يُعدّون بحسبها “الأسرى الأخطر على الإطلاق”، يُستضافون في فندق ماريوت رينساس ميراج سيتي في القاهرة. وسلّطت الصحيفة الضوء على كونه فندقاً خمسة نجوم، يضم مرافق ترفيهية مثل برك السباحة، المطاعم الفاخرة، صالونات تصفيف شعر، والنوادي رياضية. وحذّرت مما وصفته “تهديداً جديداً متطرفاً” على العائلات الأجنبية التي لا يزال بإمكانها حجز غرفٍ في الفندق من دون أن تكون مدركة “مستوى الخطر”.
وأرسلت الصحيفة موفدين لها بشكل سرّي إلى الفندق، حيث حجز الصحافيون غرفاً منتحلين هوية سياح وجالوا بين المبعدين، الذين بينهم “عضو في تنظيم داعش”، و”قائد رفيع في القوات الخاصة لحماس”، وفق زعم الصحيفة. وذكرت أنه من المحتمل أن بعض المحررين سينتقلون قريباً للإقامة في دول قريبة مثل قطر وتركيا وتونس، وهي دول “تحظى بشعبية بين البريطانيين والأوروبيين عموماً” باعتبارها وجهات سياحية.
في غضون ذلك، ادعت الصحيفة أن المبعدين قد يقدّمون طلبات للحصول على تأشيرات محلية، وتصاريح إقامة حتّى يتمكنوا من الاندماج مجدداً في المجتمع، رغم أنهم سيكونون مراقبين تحت أعين السلطات وأجهزة الأمن المحلية. ولم يتوقف التحريض عند هذا الحد، إذ قال البروفيسور أنتوني غليس، وهو أستاذ فخري بجامعة باكنغهام، للصحيفة، إن “هؤلاء الناس هم أعداؤنا اللدودون. سيقطعون رؤوس الجنود البريطانيين ويقتلون شمالاً ويميناً من دون تمييز”، وتابع مختزلاً الأسرى في صورة وحوش: “لا يجوز لنا السماح لهم بالتجمع معاً، ولا يمكن أن يكون هناك مكان آمن لهؤلاء الناس، وإلا فسنكون أمام جيش إرهابي في المنفى، سيكون لدينا حزب الله النسخة الثانية”، على حد توصيفه.
وذهبت الصحيفة أبعد من ذلك، معطيةً منصّة لضابط استخبارات إسرائيلي سابق، نقلت عنه قوله إنه “ليست هناك قيود على تحركاتهم في هذه الدول، ويمكنهم التنقل بحرية، والسفر إلى أوروبا وحتّى إلى بريطانيا للحصول على تبرعات من مؤيدين ساذجين، ودعم من متظاهرين يتعاطفون معهم بالفعل”. وزعم الضابط الذي لا بد أن له سجلاً حافلاً في الإساءة للفلسطينيين وتعذيبهم بطريقة أو بأخرى أن “أوّل ما سيفعله المخربون عندما يصلون إلى تركيا أو قطر هو الاتصال بشركائهم في غزة والضفة الغربية، لإرسال الأموال وإعادة بناء شبكاتهم، وسيتنظمون بسرعة ويؤسسون خلايا إرهابية جديدة”، على حدّ تعبيره.
وزعمت الصحيفة أن تركيا وقطر هما من تسددان فواتير الإقامة في الفندق الذي تبلغ قيمة ليلة الإقامة الواحدة فيه 200 جنية إسترليني، وذكرت أن المفرج عنهم أُبعدوا إلى مصر لشدّة خطورتهم، ولأنه لا يمكن السماح ببقائهم في غزة والضفة. وركزت الصحيفة على مؤسس الوحدة الخاصة بكتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، المُبعد محمود عيسى (57 عاماً) الذي كان اعتقاله يؤرق، بحسبها، زعيم الحركة الذي اغتالته إسرائيل يحيى السنوار، لأنه لم يُفرج عن عيسى معه في صفقة الأحرار عام 2011. وإلى جانب عيسى، ذكرت الصحيفة أن بين ضيوف الفندق عز الدين الحمرة، وسمير أبو نعمه، ومحمود زواهرة، إلى جانب إسماعيل حمدان، ويوسف داوود، والكاتب الحائز على جائزة البوكر للرواية العربية باسم خندقجي، وقد وصفتهم جميعاً بـ”أنهم عناصر في خلية إرهابية”.
وفي الإطار نفسه، تابعت الصحيفة أن موفدها السري شاهد المفرج عنهم يسحبون رزماً من النقود من أجهزة الصراف الآلي داخل الفندق، مشيرةً إلى أنهم باتوا أثرياء بفضل سياسة السلطة الفلسطينية “التي تدفع رواتب للمخربين”، مشيرة إلى أنهم يقضون وقتهم في التقاط الصور مع المتضامنين المحليين. وذكرت أنهم يمضون أوقاتهم معاً ويتحدثون عبر الهواتف، ويجرون مقابلات صحافية، ويستجمون تحت الشمس، ويأكلون ويقضون وقتهم مع أفراد عائلاتهم الذين سافروا للقائهم.
وسلّطت الصحيفة الضوء على وجود عناصر من الشرطة المصرية الذين يقومون بدوريات في الخارج، وقالت إن هؤلاء قد يكونون مسؤولين عن تصاريح خروج المبعدين من الفندق، الذي قالت إن طاقمه “لا يعلم بماضي النزلاء”. إلى ذلك، منحت الصحيفة مكتب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو منصة هو الآخر ليدلي بدلوه، حيث قال إن “هؤلاء الرجال هم إرهابيون أُدينوا بتفجير حافلات وقتل طلاب وخطف شبان… إسرائيل لم تفرج عنهم مكافأةً على الشر، وإنما لأننا أنقذنا الأسرى الإسرائيليين ووضعنا حياة الإنسان فوق كل اعتبار”.
واختتمت ديلي ميل تقريرها بالتعبير عن قلقها الصريح قائلةً إنه “من غير الواضح ما الذي سيمنع المخربين المفرج عنهم من إعادة التواصل والعودة إلى النشاط الإرهابي.. فعندما تتناثر هذه العيون المليئة بالكراهية قريباً في أنحاء العالم، لا يسع المرء إلا أن يتساءل: هل سيندم العالم يوماً على الثمن الذي اضطرت إسرائيل لدفعه من أجل هذا السلام؟”.
مع العلم أنّ كاتبي التقرير منحازان إلى الرواية الإسرائيلية منذ بدء حرب الإبادة، بحسب ما تُظهر تغطيتهما، وكان أجريا أول لقاء مع نتنياهو بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.