غزة… وحدها في قلب الجريمة وخلفها خذلان عربي مريع

بقلم: علي أمين

من العدوان إلى التواطؤ إلى الطعن في الظهر
غزة، الجرح الفلسطيني المفتوح، تُباد أمام العالم في مشهد مكرّر بات أكثر توحشًا من أي وقت مضى. لا حديث هنا عن عدوان محدود، بل عن مشروع اقتلاع شامل يمارسه الاحتلال بأعلى درجات العنف. لكن الكارثة الحقيقية لا تكمن فقط في صواريخ تُسقط البيوت على رؤوس الأطفال، بل في غياب الردّ، وفي خذلان عربي تجاوز حدود الصمت، ليصبح تواطؤًا صريحًا.

عدوان لا حدود له… ومقاومة لا تنكسر
منذ اندلاع الحرب الأخيرة، استهدف الاحتلال كل شيء في غزة: المنازل، المستشفيات، المدارس، الكنائس، والمساجد. لم يترك مجالًا للحياة إلا وأغلقه. ومع ذلك، لا تزال المقاومة صامدة، تثبت أن بقاءها ليس خيارًا تكتيكيًا بل تعبير عن الإرادة الوطنية في وجه الاحتلال.

هذه المقاومة، التي يحاول البعض نزع شرعيتها، لا تقاتل فقط دفاعًا عن غزة، بل عن الكرامة الفلسطينية والعربية. المطالبة بنزع سلاحها ليست “خطوة نحو السلام”، بل اعتراف ضمني بشرعية الاحتلال، وموافقة صامتة على استمرار المجازر.

الغياب العربي ليس صمتًا… بل اصطفاف ضمني
ما شهدناه خلال هذه الحرب، ليس مجرد تقاعس، بل تحوّل خطير في الموقف العربي الرسمي. دول عربية مارست ضغطًا على الفصائل لوقف القتال، ومنعت دخول المساعدات، وأغلقت المعابر، بل وشاركت بشكل مباشر في دعم مشروع “احتواء غزة”، لا تحريرها.

المعابر التي تحوّلت إلى أوراق ابتزاز، لم تكن مغلقة في وجه السلاح فقط، بل حتى في وجه الدواء والغذاء. قوافل دعم إنسانية انطلقت من مختلف الدول الإسلامية، جرى منعها وتشويهها، خاصة عبر الأراضي المصرية، بحجة “الأمن”، بينما الجريمة الحقيقية تُرتكب في وضح النهار داخل غزة.

سلاح الطعن الإعلامي… بلسان عربي
الإعلام الأصفر الناطق بالعربية أدّى دورًا مكمّلًا لآلة الحرب. روّج لرواية الاحتلال، وهاجم المقاومة، وجرّم الردّ، وشيطن كل من يدعم غزة. كل ذلك تحت غطاء “الحياد” و”المنطق”.

خرجت منصّات تمولها عواصم معروفة تتحدث عن “مغامرات المقاومة” وتصفها بأنها السبب في “الدمار المتبادل”، في تماهٍ كامل مع خطاب المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. لم يكن هذا مجرد تضليل، بل خيانة إعلامية موثقة ستبقى عارًا في سجل المهنة.

أدوات داخلية تؤدي الدور ذاته
الأمر الأخطر أن هناك من داخل المشهد الفلسطيني من يهاجم المقاومة لا بدافع الرأي أو الموقف، بل لأن بقاءه السياسي مرهون برضا الاحتلال. هذه الجهات ترى في السلاح تهديدًا، لا لأنه موجّه ضد الاحتلال، بل لأنه يُذكّرها بأنها فقدت البوصلة، وتحولت من قيادة إلى إدارة.

من يهاجم المقاومة من داخل فلسطين، إنما يدافع عن موقعه الوظيفي لا عن مشروع وطني، ويخشى أن ينهار الهيكل الذي منحهم نفوذًا هشًا في ظل سيادة غائبة، وسلطة بلا دولة.

غزة لا تُكسر… لكنها لن تنسى
في كل مرة يُقال إن غزة ستهزم، تنهض أقوى. لكن هذه الحرب مختلفة. ليست في شدتها فقط، بل لأنها كشفت بدقة من مع غزة، ومن ضدها. غزة اليوم لا تطالب بشيء، بل تسجّل. تسجّل من فتح معبرًا، ومن أغلقه. من ساند، ومن صمت. من دعم، ومن خان.

وستأتي لحظة ما بعد الحرب، وحينها، لن تغفر غزة لكل من ساهم في خنقها، لا بالصاروخ، ولا بالتصريح، ولا بالتحريض.

غزة ليست فقط ساحة معركة. هي معيار. من خذلها، خذل نفسه، وخذل الأمة.

علي أمين
كاتب سياسي ومحلل في الشأن الفلسطيني

زر الذهاب إلى الأعلى