انتحار جندي إسرائيلي .. بعد عودته من قطاع غزة!

بينما تتواصل العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر، تبرز ظاهرة صامتة داخل إسرائيل، لا تقل مأساوية عن الحرب ذاتها; جنود يخدمون في غزة، ويعودون محمّلين بأعباء نفسية تفوق قدرتهم على الاحتمال، فينهون حياتهم بأيديهم.
خلال الأشهر الماضية، سجلت حالات متكررة لانتحار جنود إسرائيليين خدموا في القطاع، كان آخرهم يوم أمس جندي من مدينة “نتانيا” أطلق النار على نفسه بعد أيام فقط من إنهاء خدمته. لم تكن هذه الحادثة الأولى، فقد سبقها انتحار ضابط من وحدة غولاني، وجندي من وحدة الاحتياط، فيما أُحبطت عدة محاولات أخرى بهدوء بعيدًا عن الإعلام. هذه الوقائع ليست أحداثًا فردية معزولة، بل إشارات على أزمة نفسية حادّة تضرب أوساط جنود الاحتلال، وتعكس فشلًا متراكمًا في احتواء آثار الخدمة في بيئة قتالية شديدة العنف والتعقيد كغزة.
تقرير نشرته صحيفة “هآرتس” في وقت سابق نقل شهادات من ضباط في جيش الاحتلال أكّدوا تصاعد أعراض “اضطراب ما بعد الصدمة“ بين الجنود العائدين من غزة، خاصة بعد مشاركتهم في عمليات داخل مناطق مكتظة بالسكان المواطنين وتحت نيران المقاومة. كثيرون منهم لا ينامون ليلًا، تظهر عليهم نوبات بكاء وانهيار مفاجئة، ويعجزون عن التكيف مع الحياة المدنية بعد عودتهم.
جيش الاحتلال، من جهته، يواجه اتهامات من عائلات الجنود بالتقصير في المتابعة النفسية لما بعد الخدمة. في بعض الحالات، تم إخراج الجنود من الخدمة دون تقديم أي دعم أو احتواء نفسي، رغم المؤشرات التحذيرية الواضحة على تدهور حالتهم. بعض الضباط يقولون إن “الجيش يرسل الجنود إلى المذبحة، ثم يتخلى عنهم”.
مؤسسة الاحتلال العسكرية تتجنب الخوض العلني في هذه الوقائع، وتحاول إبقاءها بعيدًا عن التغطية الإعلامية، خاصة في ظل الوضع السياسي والأمني الحرج. لكن الأصوات تتعالى داخل مجتمع المستوطنين، تطالب بإجراء تحقيق شامل حول أثر الحرب على الجنود، وتحميل المسؤولية للقيادة التي دفعت بهم إلى جحيم المعركة دون استعداد نفسي أو رؤية واضحة لمصيرهم بعدها.
في النهاية، هذا هو الثمن الذي يدفعه جنود الاحتلال بعد خروجهم من جحيم المعارك في غزة. أجسادهم قد تعود، لكن أرواحهم تظل معلّقة هناك، مثقلة بما ارتكبوه وما رأوه. من أشعل نار الحرب لا يمكن أن ينجو من لهيبها، ومن خاض المعركة كغازٍ لا يعود سليماً. فالحرب التي دمّرت غزة، خلّفت أيضاً داخل إسرائيل جنودًا محطّمين، ينهارون بصمت، ويُهزمون بعيداً عن الميدان. وكما تحصي غزة أسماء شهدائها، على الاحتلال أن يواجه الحقيقة: هذه نتائج عدوانه، وهذه هي نهايات جنوده… لا نجاة بعد الجريمة.