“الفرصة الأخيرة” قبل فتح محور الجولان

يكشف الحوار السياسي الأخير بين دمشق والاحتلال الإسرائيلي عن لحظة استثنائية تُبرز حدود القوة في الصراع السوري وتشابكاته الإقليمية. ففي باريس، جرى لقاء نادر بوساطة دولية جمع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بالوزير الإسرائيلي رون ديرمر، بينما برزت السويداء كميدان اختبار حقيقي، حيث تواجه ما يُعرف بـ”الإبادة السورية الجديدة” مقاومة واسعة من أبناء الطائفة الدرزية.

 

وذكر مراسل الشؤون العربية في صحيفة يسرائيل هيوم شاحار كليمان، أن الحوار غير المسبوق مع حكم أحمد الشرع هذا الأسبوع أظهر بوضوح قيود القوة، مشيرًا إلى أن اللقاء الاستثنائي بين ديرمر والشيباني في العاصمة الفرنسية هو ما كشفته وكالة الأنباء السورية الرسمية.

 

وأضاف كليمان أن القيادة السورية تعترف بضعفها العسكري، ولذا فهي تسعى في هذه المرحلة إلى استثمار القنوات الدبلوماسية. أما في الجانب الإسرائيلي، فقد بات واضحًا أن السيطرة العسكرية على محافظة السويداء أمر متعذر، مستشهدًا بتجارب سابقة انتهت بنتائج سلبية، على الرغم من تفوق الجيش الإسرائيلي في العدد والعتاد. وأكد أن الوضع الحساس في المحافظة دفع إلى بروز مبادرات ذات طابع إنساني.

 

وأشار كليمان إلى أن الشرع يُدرك هذه الحقائق جيدًا، حيث قال في لقاء جمعه هذا الأسبوع مع شخصيات في إدلب، إن بعض القوى تحاول تعزيز نفوذها من خلال الاعتماد على قوى إقليمية كبرى مثل إسرائيل أو غيرها. وتطرق إلى وضع القيادة الدرزية في السويداء قائلاً: “الجنوب منطقة مأهولة بكثافة، وأي قوة معادية ترغب في دخولها ستضطر لوضع شرطي على باب كل منزل، وهو أمر شديد الصعوبة. وما يجري الآن على يد بعض العناصر في سوريا لا يتجاوز كونه إزعاجًا”.

 

وفي وقت لاحق، وصف الرئيس السوري تحدي زعماء السويداء بأنه محاولة للضغط على دمشق، هدفها دفع البلاد نحو نظام فيدرالي يتيح للأقليات في الدولة المتشرذمة إدارة شؤونها بشكل شبه مستقل.

 

وبحسب كليمان، فإن القيادة في دمشق تنظر إلى هذا الطرح كخط أحمر، لكون المناطق الجنوبية تحوي ثروات طبيعية وسكانًا مسلمين سُنة بأعداد كبيرة. أما الشرع فقد سعى إلى بث رسائل تهدئة، مؤكدًا أن سيناريو تقسيم سوريا مستبعد للغاية، لأن ما وصفه بـ”العناصر” لا تملك الوسائل اللازمة للانفصال عن الدولة. وأضاف أن “من يتحدث أحيانًا عن غيره يُسقط عليه واقعه”، مشيرًا إلى أن دمشق نفسها تحاول توظيف سياسة “فرّق تسد” داخل الطائفة الدرزية جنوب البلاد، عبر تبادل الرسائل مع أطراف مختلفة في المحافظة، بهدف صياغة تفاهمات تقلّص الفجوات وتفضي إلى حلول. لكن يبدو أن فريق الشرع يحاول، في الظاهر، التجاوب مع بعض المطالب التي نوقشت في لقاءاته مع مندوبي إسرائيل والولايات المتحدة.

 

وبحسب تقارير عربية، فقد تلقى الوزير الشيباني في باريس “فرصة أخيرة” للتوصل إلى تسوية قبل فتح خط إمداد بين السويداء والجولان. كما طُرحت مطالب أخرى، أبرزها إعادة فتح طريق دمشق–السويداء لنقل البضائع، ورفع الحصار عن المحافظة الدرزية، إلى جانب إدخال مراقبين تابعين للأمم المتحدة لمساعدة الأهالي. ومع ذلك، هناك خشية من أن هذه الإجراءات قد تُقابل بمحاولات إفشال من جانب حلفاء دمشق الإقليميين.

 

وأشار كليمان إلى أن معضلة الشرع تكمن في أن عددًا محدودًا فقط من أبناء السويداء يقبلون التفاوض معه، وهم بلا تأثير حقيقي في الطائفة، بل إن نفوذهم تراجع أكثر بعد المذابح والاشتباكات المسلحة التي شهدها يوليو/تموز وأسفرت عن قرابة ألفي قتيل. وأوضح مصدر درزي أن هذه المحادثات لن تغيّر موقف الأهالي المتمثل في مقاطعة دمشق ورفض سلطتها بشكل قاطع. فيما ذكر مصدر آخر أن ما يتم تسريبه عن “حوار” هدفه الأساسي إثارة الانقسام داخل السويداء.

 

ونقلت الصحيفة عن ناشط درزي مطلع أن ليث البلعوس وجهات أخرى تتحاور مع دمشق لا تمثل أبناء الطائفة إلا بنسبة ضئيلة جدًا، بينما يرى أكثر من 90% من الدروز في حكمت الهجري الزعيم الفعلي للطائفة، بل إن بعض الأوساط في السويداء تصف البلعوس وأمثاله بـ”الخونة”.

 

وبيّن كليمان أن المحيطين بالشرع يسعون إلى زرع خلاف بين إسرائيل وقيادة الدروز. وبحسب تقارير عربية، فقد بدا وكأن الطرفين أحرزا تقدمًا كبيرًا في المفاوضات، حتى أن قناة العربية السعودية تحدثت عن اتفاقات شملت 80% من القضايا، بينها احتمال استئناف العمل باتفاق فصل القوات لعام 1974، بما يعني انسحاب إسرائيل من المناطق التي تحتلها جنوب سوريا وترك الدروز لمصيرهم. ويرى كليمان أن هذا التقرير يعكس تطلعات دمشق بالأساس، خاصة في ظل دعم الرياض لمكانة الشرع.

 

وختم التقرير بالإشارة إلى أن الدروز ليسوا وحدهم في مواجهة مشروع إعادة توحيد سوريا، إذ أُلغي مؤخرًا لقاء كان مقرراً في باريس مع ممثلي قوات سوريا الديمقراطية (الأكراد)، فيما ترافقت التسريبات مع تهديدات بهجوم باتجاه الشرق بمساعدة قبائل بدوية محلية. وعلى هذه الجبهة أيضًا، يبدو أن الشرع يواصل اختبار الحدود بانتظار اللحظة المناسبة، مستغلاً في الأثناء القنوات الدبلوماسية لامتصاص الضغوط وتخدير خصومه.

زر الذهاب إلى الأعلى