غزة تقود إسرائيل إلى “سيناريو كوسوفو”.. كيف؟

مع تزايد حدة الاحتجاجات الإسرائيلية الداخلية المطالبة بإنهاء حرب غزة واستعادة الأسرى، تسود في أوساط الاحتلال مخاوف من تزامن هذه المظاهرات مع تصاعد الخطاب الإعلامي لحركة حماس الذي يملأ شاشات التلفزة، وهو ما يثير قلقًا متناميًا من إمكانية تدخل دولي أكثر صرامة قد يفرض على الاحتلال إنهاء الحرب وفق شروط المجتمع الدولي.

وفي هذا السياق، حذر كوتي شوهام، زميل التدريس في البرنامج متعدد التخصصات بكلية العلوم الإنسانية في جامعة تل أبيب، من أن ما وصفه بـ”ظاهرة نزع الشرعية عن إسرائيل” قد تتحول إلى سلاح بيد خصومها، خاصة في ظل تنصل الحكومة من مسؤولياتها وإلقائها اللوم على منتقديها، رغم أن هذه الظاهرة، بحسب قوله، نشأت أصلًا نتيجة سلوكيات الدولة ذاتها. وأضاف أن الحكومة وأنصارها يحاولون التنصل من الفشل عبر تحميل أعبائه للفئات الأضعف، مثل عائلات المختطفين والمناهضين للانقلاب القانوني.

وفي مقال له بصحيفة “إسرائيل اليوم”، أوضح شوهام أن جوهر المخاوف الإسرائيلية يعود إلى القلق بشأن مستقبل الدولة، خشية أن يعيد التاريخ نفسه بفرض تدخل دولي لإنهاء الحرب في غزة تحت شعار “الدوافع الأخلاقية العالمية”. واستحضر في هذا الإطار تجربة حرب الناتو ضد صربيا عام 1999 في إقليم كوسوفو، حين قادت حركة ألبانية سرية مساعي استقلال للمسلمين وسط موجة عنف عرقي، ليتحول الصرب – الذين غدوا أقلية – إلى حالة من الانتحار الجماعي واليأس السياسي.

وأشار شوهام إلى أن أوجه التشابه بين التجربة الصربية والوضع الراهن في غزة تثير القلق، فإذا ما رأت دول العالم أن “العدل والحق” يقتضيان إقامة دولة فلسطينية، فإن هذا الأمر سيشكل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل. وأضاف أن الخطاب الدعائي لحماس الذي يسيطر على الإعلام يعيد إلى الأذهان كيف انتُزع إقليم كوسوفو من صربيا، ليس فقط عبر وقف الجرائم، بل أيضًا من خلال اعتراف دولي أفضى إلى قيام دولة جديدة.

كما استعرض شوهام تفاصيل ما جرى في صربيا، حيث حاول الرئيس آنذاك، سلوبودان ميلوسيفيتش، مواجهة المسلمين، لكن تغطيات إعلامية مذعورة حول القتل الجماعي دفعت الناتو إلى شن حملة قصف عنيفة على بلغراد استمرت ثلاثة أشهر بلا تفويض من مجلس الأمن أو مسوغ قانوني. ورغم محاولات ميلوسيفيتش التمسك بأن جيشه التزم بالقانون الدولي، إلا أن صربيا انهارت، وتم فرض نظام دولي في كوسوفو، قبل أن يُهزم سياسيًا وينتهي به المطاف في لاهاي متهمًا بجرائم حرب، ليتوفى عام 2006 في السجن قبل صدور حكم بحقه.

وأوضح أن تلك الحرب دشنت تحولًا في المفاهيم الدولية، إذ اعتبر فاتسلاف هافيل، رئيس التشيك آنذاك، أن سيادة الدولة فقدت أهميتها في عصر العولمة لصالح مبدأ أسمى هو كرامة الإنسان وحقوقه. ورأى أن تدخل الناتو في كوسوفو شكّل نقطة تحول، حيث باتت “الأخلاقيات العالمية” معيارًا يتفوق على “المصالح الوطنية الضيقة”، وهو ما جعل الغرب يتصرف وفق مفهوم “الحق والعدل” متجاهلًا السيادة التقليدية للدول.

واختتم شوهام تحذيراته بالتأكيد أن أوجه التشابه بين كوسوفو وغزة مقلقة للغاية، وأنه يخشى من أن يؤدي ترسخ الرواية الدولية حول ارتكاب الجيش الإسرائيلي لجرائم حرب في غزة إلى مطالب متزايدة بتسليم نتنياهو إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي تحت ضغط المجتمع الدولي، إذا لم يتمكن من استعادة ثقة الإسرائيليين عبر صناديق الاقتراع قريبًا.

زر الذهاب إلى الأعلى