انطلاق المرحلة الثانية من اتفاق غزة

مع تسليم حركة حماس والفصائل الفلسطينية المحتجزين الإسرائيليين الأحياء الـ20 لديها بالإضافة إلى أربعة جثامين، من إجمالي 48 محتجزاً تحتفظ بهم المقاومة في غزة منذ انهيار اتفاق يناير/ كانون ثاني الماضي الموقع في الدوحة، تقترب المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار من خط النهاية الذي تم رسمه لها. وتستعد الأطراف جميعها لانتهاء فعلي للمرحلة الأولى لوقف إطلاق النار بكامل تفاصيلها، والتي تستند إلى خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وما تم التوصل إليه من تفاهمات في مدينة شرم الشيخ المصرية بوساطة قطرية ومصرية وتركية.
وقف النار في غزة ما زال صامداً
ويبدو اتفاق وقف إطلاق النار في غزة صامداً حتى الآن، ويعتبر مستوى الاحتكاك الميداني والقصف الإسرائيلي محدوداً للغاية بالرغم من تسجيل حالتين لقصف إسرائيلي، استهدفت إحداهما حي الشجاعية شرقي مدينة غزة ما تسبب في استشهاد خمسة فلسطينيين خلال تفقدهم منازلهم، وفي الحالة الأخرى استشهد فلسطيني في استهداف مسيرة إسرائيلية تجمعاً للفلسطينيين في بلدة الفخاري شرق مدينة خانيونس، جنوبي القطاع. في المقابل، تشهد مراكز المدن انتشاراً أمنياً مكثفاً لعناصر حركة حماس والمقاومة الفلسطينية في محاولة لضبط الحالة الأمنية بوتيرة متسارعة، والعمل على استغلال حالة الهدوء المتاحة حالياً لإنهاء الظواهر التي كانت متواجدة خلال الإبادة الإسرائيلية.
وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، أن محادثات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة قد بدأت بالفعل، وستكون “صعبة”، مضيفاً: “الآن بدأت مناقشات صعبة بشأن أمن غزة وإدارتها وضمان عدم عودة الحرب”. وبحسب حديث الأنصاري لقناة فوكس نيوز الأميركية، اليوم الاثنين، فإن مفاوضات المرحلة الثانية بدأت لتفادي أي فارق زمني مع المرحلة الأولى، حيث تم إرجاء “كثير” من مناقشات المرحلة الثانية لضمان إنجاز المرحلة الأولى.
بدوره، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه سيتم عقد مؤتمر للمساعدات الإنسانية الخاصة في غزة خلال الأسابيع المقبلة في إطار المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، مضيفاً أنه “في المرحلة الثانية، سيتم تعبئة الأموال لإطلاق عملية استقرار وإعادة إعمار غزة بسرعة”. وبشأن عملية إدارة غزة أشار ماكرون إلى أن مجلس الأمن الدولي توصّل إلى توافق بين السلطة الفلسطينية ودول أخرى للمضي نحو حل، وأن العمل الفني على نزع سلاح “حماس” سيبدأ قريباً عبر فرق سيتم تشكيلها.
وتنص خطة ترامب في مرحلتها الثانية على إنشاء إدارة جديدة للحكم بالإضافة لمجلس سلام وإدارة دولية، يترأسها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، فضلاً عن تشكيل قوة متعددة الجنسيات، ونزع سلاح حركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية، وهي ملفات تحتاج للحسم قبل استكمال الانسحاب الإسرائيلي من القطاع. ورغم الحديث عن وجود خطوط صفراء وحمراء ضمن الخرائط التي تضمنتها صفقة التبادل وخطة الرئيس الأميركي، إلا أن حدود الانسحاب الإسرائيلي تجاوزت هذه الخطوط بعمق أكبر، ما قد يفهم ضمنياً بانتهاء الحرب في شكلها السابق.
مرحلة صعبة
في الأثناء، رأى مدير مركز مسارات للأبحاث والدراسات الاستراتيجية هاني المصري أن المرحلة الأولى على أهميتها وصعوبتها إلا أنها كانت الأسهل نظراً لمصلحة الأطراف كافة في أن تجري بسهولة ومن دون أي مشاكل. وقال المصري إن المرحلة الثانية هي “الأصعب نظراً لحالة التشابك الحاصلة في ملفاتها وتحديداً ملف نزع سلاح حركة حماس وإبعاد قادتها إلى جانب ملف اليوم التالي للحرب في غزة وشكل الحكم فيها”. وأضاف أنّ “حركة حماس والمقاومة، بالرغم من القتل والإبادة وعمليات التدمير الواسعة في غزة، لم تترك سلاحها، فكيف لها أن تقبل التخلي عن السلاح في ظل مفاوضات أو عملية سياسية لا تضمن بقاءها”.
وأشار المصري إلى أن حركة حماس “أثبتت منذ وقف إطلاق النار أنها الجهة الأقوى في غزة من خلال انتشار عناصرها في المناطق التي انسحب منها الاحتلال”، متسائلاً عن شكل حلول مجلس السلام والقوات الدولية محل الحركة إذا ما رفضت الأخيرة ذلك. ولا يستبعد مدير مركز مسارات أن تؤدي هذه العوامل والملفات إلى “مفاوضات طويلة للغاية تتكرر معها أشكال متعددة من العدوان دون عودة الإبادة بشكلها السابق”، مرجحاً أن تكون الحالة في القطاع “قريبة إلى ما جرى في جنوب لبنان مع دخول عوامل ضغط أخرى مثل الحصار وعدم إعمار غزة وتعطيل الملفات الإنسانية”. ووفقاً للمصري، فإنّ ترامب قد يغض الطرف لاحقاً عن عمليات قصف واستهدافات وعمليات خاصة قد تنفذها قوات الاحتلال في غزة، تحت ذرائع أمنية، ولا سيما أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرى أنه لم يحقق الأهداف التي كان يكررها.
حالة غموض
ويرى الكاتب والباحث في الشأن السياسي، محمد الأخرس، أن الوثيقة التي وُقعت في مؤتمر شرم الشيخ “تحمل أهمية سياسية واضحة، غير أن الأهم هو الظرف السياسي الذي أحاط بها، إذ جرى التوقيع بحضور ورعاية الولايات المتحدة، وبمشاركة أربعة أطراف ضامنة هي: قطر، ومصر، وتركيا، إلى جانب واشنطن”. وأوضح الأخرس أن “توقيع هذه الدول كضامنين للاتفاق يعني عملياً أنها أصبحت ضامنة لموقف المقاومة الفلسطينية، وكذلك لتنفيذ البنود المتبقية من خطة ترامب”، معتبراً أن ما يجري هو بداية نحو تدويل مشكلة قطاع غزة عبر إشراك أطراف إقليمية ودولية في إدارتها، وهو سيناريو “لم يسبق تجربته في الحالة الفلسطينية منذ عقود”.
وأضاف الأخرس أن “الرؤية الأميركية للتعامل مع الوضع المعقد في القطاع لا تزال غير ناضجة”، مشيراً إلى أن “العبء الأكبر سيقع على عاتق الدول المشاركة في الاتفاق، لتتحمل مسؤولية التعامل مع الملف الغزّي سياسياً وميدانياً”، مبيناً أن الغموض يكتنف العلاقة بين الدور الإقليمي والدور الإسرائيلي في المرحلة المقبلة، مشيراً إلى أن ذلك “يخلق حالة من عدم الوضوح في المشهدين الميداني والسياسي داخل القطاع لاحقاً”.
وقال الأخرس إن الأيام المقبلة ستشهد اتصالات مكثفة لتوضيح أو التفاوض على البنود المتبقية من خطة ترامب، إلا أنه لفت إلى أن السيناريوهات المطروحة حتى الآن “ما زالت غير واضحة أو ناضجة بالقدر الكافي لتحديد ملامح المرحلة المقبلة”. وأكد أن الاحتلال الإسرائيلي سيحاول فرض معادلة أمنية جديدة تعزز من سيطرته داخل القطاع، لا سيما في المناطق التي يسيطر عليها حالياً، وتشكل أكثر من نصف مساحة غزة، مستشهداً بتقارير ميدانية عن استهدافات إسرائيلية متجددة داخل تلك المناطق بذريعة “التهديدات الأمنية”.