الاضطرابات النفسية تتفشى بين جنود الاحتلال الذين شاركوا في الحرب

يجد جنود الاحتياط الإسرائيليين الذين تعرضوا لأعراض اضطراب ما بعد الصدمة خلال حرب الإبادة التي شاركوا فيها على قطاع غزة المحاصر، صعوبة في العودة إلى سوق العمل. ويفشل الكثير منهم في الاستمرار بوظيفة واحدة، ويتنقّلون بين وظائف مختلفة أو يبقون عاطلين عن العمل، بحسب ما يتضح من بحث جديد أجرته جمعية “نتال” التي تعنى بمصابي “الصدمة الوطنية”، بين مئات من جنود الاحتياط الذين توجهوا إليها.
وبحسب صحيفة “هآرتس” العبرية التي أشارت إلى البحث اليوم الخميس، فإن نهاية الحرب تدفع إلى السطح تداعياتها طويلة الأمد على العديد من الإسرائيليين، من بينهم جنود وعناصر احتياط في جيش الاحتلال، والذين تغيّرت حياتهم بشكل جذري بسببها. وقدّمت الجمعية وحدها خلال الحرب، الدعم والمرافقة النفسية لنحو 1000 من جنود الاحتياط، والجنود النظاميين أو المدنيين الذين تعرضوا لصدمات نفسية، في حين يُظهر البحث الذي أجرته في صفوف 626 من جنود الاحتياط الذين تلقوا المساعدة من الجمعية، أن نحو نصفهم لم يعودوا بعد إلى سوق العمل أو يواجهون صعوبة كبيرة في الاندماج فيه من جديد، حتى بعد عملية طويلة من المرافقة والدعم.
كما يُظهر البحث أن من بين أصحاب التعليم الأكاديمي الذين توجهوا إلى الجمعية، لا يزال 30% يواجهون صعوبة في العودة إلى العمل أو إلى الدراسة. ولفت البحث إلى أن لأعراض ما بعد الصدمة، تأثيرات بعيدة المدى أضعفت القدرة على الأداء في مختلف مجالات الحياة، بما في ذلك مجال العمل والدراسة الأكاديمية التي توقفت فجأة مع اندلاع الحرب.
ولفتت الجمعية في الوقت ذاته، إلى أن نسبة المشاركين الذين تحسّن وضعهم المهني والاقتصادي نتيجة عملية المرافقة ارتفعت من 17% في بداية الطريق إلى 48% في نهايتها، أي ما يقارب ثلاثة أضعاف. ومع ذلك، لا تزال صعوبة اندماج جنود الاحتياط من جديد في سوق العمل كبيرة، حتى بعد مرور وقت طويل على تسريحهم.
وفي سياق متصل، حاول 279 جندياً إسرائيلياً الانتحار، بين يناير/كانون الثاني 2024 ويوليو/تموز 2025، وفق ما يتضح من بيانات جيش الاحتلال الإسرائيلي التي تم تسليمها إلى مركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست، ونُشرت، أول من أمس الثلاثاء. وبناء على وثيقة البيانات، تم تصنيف 33 من محاولات الانتحار على أنها “خطيرة”؛ أي إنّ طريقة التنفيذ كان من الممكن أن تؤدي إلى وفاة الشخص أو إلى إصابة جسيمة.
وذكرت صحيفة هآرتس، أنه في السابق، لم يكن جيش الاحتلال الإسرائيلي يجمع بيانات حول محاولات الانتحار، وبدأ بجمعها فقط اعتباراً من عام 2024. وتشمل البيانات فقط الحالات التي أبلغ عنها لاختصاصيي الصحة النفسية في الجيش. ولفتت هيئة البث الإسرائيلي (كان) إلى أنّ المعنى الإحصائي للمعطيات، هو أنه مقابل كل جندي انتحر خلال هذه الفترة، وُثقت سبع محاولات انتحار إضافية.
وبحسب التقرير الوارد في الوثيقة، فإنه بين عام 2017 ويوليو/تموز 2025، انتحر 124 جندياً، من بينهم، 68% كانوا في الخدمة الإلزامية، و21% في الخدمة الاحتياطية الفعّالة، و11% في الخدمة الدائمة. وأشار التقرير إلى ارتفاع ملحوظ في عدد المنتحرين بين جنود الاحتياط منذ عام 2023، مما أدى إلى زيادة نسبتهم من إجمالي حالات الانتحار كل عام. وفي هذا السياق، أفادت وزارة الأمن بأنه يجب فحص هذه البيانات على خلفية الزيادة الهائلة في عدد جنود الاحتياط النشطين، منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وبحسب البيانات، في السنوات بين 2017 و2022، راوحت نسبة جنود الوحدات القتالية، من بين مجمل حالات الانتحار في جيش الاحتلال الإسرائيلي بين 42% و45%، وفي عام 2023 انخفضت هذه النسبة إلى 17%، لكنها قفزت بحدّة في عام 2024 لتصل إلى 78%. ومن بين المعطيات الأخرى، في العامين الماضيين، أنّ 17% فقط من الجنود الذين انتحروا التقوا ضابطاً للصحة النفسية، خلال الشهرين اللذين سبقا عملية الانتحار.
ويوم الاثنين الماضي، قال رئيس الأركان، إيال زامير، في مؤتمر في قاعدة بلماحيم العسكرية، إنّ “العناية بالصحة النفسية تشغلني كثيراً. اليوم هناك آلاف المتعالجين، وعلى القادة أن يكونوا متيقّظين لذلك، وأن يشخّصوا مدى انتشار الظاهرة في الوحدات المختلفة ويهتموا بالأفراد. لا تخجلوا من تقديم العلاج، فهناك المئات ممن تلقوا علاجاً مناسباً وأنقذوا حياتهم”.