عسكرة المساعدات: كيف حوّل الاحتلال الإغاثة إلى أداة قتل؟

خاص – قناة القدس

من وسط الدمار والجوع، تتجلى المأساة الإنسانية في غزة بأبشع صورها. أكثر من 21 شهراً من الحرب والحصار، حولت المساعدات الإنسانية من حق أساسي إلى سلاح حرب، وأبقت أكثر من مليوني فلسطيني بين أنياب الجوع، والمرض، والموت البطيء، وسط صمت دولي مريب.

لم تعد شاحنات الإغاثة في غزة رمزا للأمل، بل باتت “مصائد موت”، كما وصفها الكاتب الصحفي وسام عفيفة في حديثه لإذاعة قناة القدس، حيث يحوّل الاحتلال الإسرائيلي المساعدات الإنسانية إلى أداة عقاب جماعي، يتحكم من خلالها بحياة أكثر من مليوني إنسان محاصر.

انهيار شامل

يقول عفيفة: “غزة اليوم تعيش أسوأ كارثة إنسانية في تاريخها، كل ما له صلة بالحياة اندثر. لا غذاء، لا ماء، لا دواء. قطاع غزة غير صالح للحياة”، مشيرًا إلى أن أكثر من 80% من سكان القطاع أصبحوا نازحين، وأن الغالبية تعيش في خيام تفتقر لأبسط مقومات الحياة.

ويضيف: “الحياة هنا أصبحت تعني الموت البطيء. الأطفال يموتون جوعًا ومرضًا، والمستشفيات تحولت إلى مراكز للموت، وليست للعلاج”.

مساعدات وهمية وفوضى ممنهجة

رغم الحديث عن دخول مساعدات إلى القطاع، يؤكد عفيفة أن ما يصل لا يُسمى مساعدات: “ما يصل هي شحنات رمزية، لا تكفي ولا تعالج، ولا تصل إلى مستحقيها”، مشيرًا إلى حالة من الفوضى والعشوائية تسيطر على التوزيع في ظل غياب متعمد لدور المؤسسات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة.

ويقول: “الاحتلال مهندس هذه الفوضى. بتدخلاته، فسح المجال لجماعات مسلحة وخارجة عن القانون للتحكم في توزيع الإغاثة، ما حرم آلاف الأسر من أبسط حقوقها”.

الاحتلال يتحكم بالسعرات

تتجلى سياسة التجويع بشكل صارخ حين يشير عفيفة إلى أن الاحتلال لا يتحكم فقط بكمية الشاحنات، بل بـ”كسرة الخبز” نفسها: “قطاع غزة يحتاج إلى 600 شاحنة يوميًا على الأقل، لكن ما يدخل فعليًا لا يتجاوز 60 شاحنة، وغالبًا أقل، تحت حجج التفتيش والأمن”.

ويضيف: “الاحتلال يمنع آلاف الأصناف من الدخول، بما فيها المواد الطبية والوقود، مما أدى إلى انهيار المنظومة الصحية بالكامل. الكارثة متكاملة الأبعاد”.

مصائد الموت: الجوع أشد من القصف

الأكثر فظاعة أن محاولة الحصول على المساعدات باتت أكثر خطورة من القصف، كما يكشف عفيفة: “منذ مارس الماضي فقط، استشهد نحو 1300 فلسطيني وأصيب ما لا يقل عن 9000، أثناء محاولتهم الوصول إلى المساعدات”.

ويتابع: “الاحتلال يستهدف القوافل الإغاثية، وجماعات التأمين، ويقصف كل ما يمكن أن يساعد الناس على النجاة. الجريمة لم تعد فقط قصفًا، بل باتت إدارة ممنهجة للتجويع”.

تغييب الصحافة وتضليل العالم

يقول أبو عفيفة: “لا يزال يُمنع دخول الصحفيين الدوليين إلى غزة، وهذا جزء من سياسة تغييب الحقيقة. المطلوب اليوم لجنة تحقيق دولية مستقلة، وأن يُسمح لوسائل الإعلام العالمية بالدخول لرؤية ما يجري”.

ويضيف: “من يشكك فيما يحدث، عليه أن يأتي ليرى. ما يجري جريمة تندى لها الجباه. نحن نعيش الجريمة ونكتبها بدمنا”.

نداء أخير من تحت النار

كصحفي ونازح، يوجه وسام عفيفة رسالة مؤثرة في نهاية حديثه: “أنا أعيش تحت القصف والجوع، أكتب من دمي. أطفالنا ماتوا جوعًا، والناس يغامرون بأرواحهم من أجل كسرة خبز. هذه ليست مساعدات، هذا شكل آخر من أشكال الحرب”.

ويختم: “رسالتي الأخيرة للعالم: أنقذوا غزة، أنقذوا إنسانيتكم. كل من يصمت هو شريك في هذه الجريمة”.

زر الذهاب إلى الأعلى